فصل: مسألة اشتركا في حانوت واحد وصنعة كل واحد منهما غير صنعة صاحبه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة استأجرا أجيرين فاشتركا فيما يكتسبان وكل منهما مستأجر لأجيره على حدة:

قيل له: فإن استأجر رجلان أجيرين فاشتركا فيما يكتسبان وكل واحد منهما مستأجر لأجيره على حدة، قال: لا بأس بذلك إذا كان الأجيران يعملان جميعا عملا واحدا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن يد كل واحد منهما كيد مستأجره، فإذا تعاون أجيراهما في العمل كان ذلك كتعاونهما أنفسهما فيه وبالله التوفيق.

.مسألة اشتركا في حانوت واحد وصنعة كل واحد منهما غير صنعة صاحبه:

قيل له: فإن اشتركا في حانوت واحد والعمل مفترق على حدة صنعة كل واحد منهما غير صنعة صاحبه، قال: لا خير في ذلك، يريد أن العمل بينهما قيل له: فإن اشتركا والعمل واحد والحانوتان مفترقتان قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا إنه لا يجوز أن يشتركا في حانوت واحد والعمل مفترق معناه إن انفرد كل واحد منهما بعمله ولم يعمل صاحبه معه فيه على ما قاله فوق هذا، وأما قوله: إنه لا بأس أن يشتركا في العمل ويكونان مفترقين في حانوتين فهو بعيد؛ لأن الأصل في شركة الأبدان أنها لا تجوز إلا على التعاون، وهما إذا افترقا في حانوتين فلم يتعاونا وإذا لم يتعاونا لم تجز الشركة فلا وجه لقول أشهب هذا، إلا أن يكون معناه أنهما يجتمعان جميعا على أحد الأعمال ثم يأخذ واحد منهما طائفة من العمل فيذهب إلى حانوته فيعمل فيه لرفق يكون له في ذلك من سعة حانوته أو كثرة انشراحه أو قربه من منزله أو ما أشبه ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة الشريكين المتفاوضين إذا ترك أحدهما عمل الشركة وأخذ مالا فعمل فيه فربح:

ومن كتاب القضاء العاشر:
قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الشريكين المتفاوضين إذا ترك أحدهما عمل الشركة وأخذ مالا فعمل فيه فربح أو آجر نفسه ألصاحبه من ذلك شيء؟ قال لي: لا أرى لصاحبه من ذلك شيء أو أراه كله له، وإنما هو رجل تعدى فترك العمل والشركة، فليس ذلك بالذي يوجب لصاحبه فيما ربح من ذلك شيئا، قلت: أفترى لهذا المشتري المتعدي فيما ربح صاحبه الذي كان يعمل معه على الشركة شيئا؟ قال: نعم أراه على ربحه في الشركة، قال أصبغ: لأن النقصان يلزمه إذا تركه يعمل بالشركة فكذلك الربح له، قال أصبغ: قلت لابن القاسم أترى لهذا العامل في الشركة على الذي لم يعمل أجرة إذا قاسمه الربح قدر ما تركه من العمل معه الذي كان يصيبه؟ قال: لا، قال أصبغ: لا يعجبني هذا وأرى ذلك له إذا حلف العامل أنه لم يعمل على التطوع له وعنه، وعلى مقاسمته إلا على العمل لنفسه خالصا إذا اشتغل عنه وعلى أن يطالبه بعمله وكفايته فأما لوجهين ادعاه وحلف عليه رأيت له به الأجرة على قدر الكفاية لنصف ما باشر به من حينه ذلك وعلى وجهه خاصة، وليس على طول الشهور وعددها ولا السنين ولا الأيام إذا كان العمل والتجارة منقطعا في حال ذلك إن شاء الله، وسئل عنها أشهب فقال: ما أرى ربح القراض ولا الأجرة التي آجر بها نفسه إلا بينهما أرأيت لو تسلف يعني مالا فعمل به فربح لكان ربحه بينهما.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في أحد الشريكين المتفاوضين يأخذ مالا قراضا فيربح فيه أيؤاجر نفسه إن ذلك له ولا شيء لشريكه فيه أظهر من قولي أشهب أن ذلك بينهما، وقد بين ابن القاسم في الرواية وجه قوله بقوله: وإنما هو رجل تعدى فترك العمل إلى آخر قوله وأما أشهب فوجه قوله أن كل واحد من الشريكين كأنه مستأجر لنصف عمل شريكه بنصف عمله هو، فكما يكون للذي عمل بالقراض الذي أخذه أو بالأجرة التي آجر بها نفسه نصف عمل شريكه في مال الشركة فيستحق، بذلك نصف الربح فكذلك يكون للشريك نصف عمله في القراض أو في الأجرة فيستحق بذلك نصف ربح القراض إن كان فيه ربح أو نصف الأجرة التي آجر بها نفسه، ولا اختلاف في أن ربح مال الشركة الذي عمل به أحد الشريكين ما دام صاحبه يعمل في القراض الذي أخذه أو في الأجرة التي آجر بها نفسه بينهما نصفين واختلف إذا لم يكن للشريك الذي عمل بمال الشركة في ربح القراض ولا في الأجرة شيء على القول بأن ذلك للذي أخذ المال القراض وللذي آجر نفسه هل تكون له أجرة على الذي لم يعمل معه لانفراده بالعمل أم لا؟ فلم ير ابن القاسم في هذه الرواية ذلك له، ورأى ذلك أصبغ له بعد يمينه أنه لم يعمل على التطوع عن شريكه، وهذان القولان جاريان على أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وهو السكوت هل يكون كالإذن أم لا؟ فقول أصبغ في هذه المسألة مثل قول عيسى بن دينار من رأيه في آخر رسم القطعان من سماع عيسى من هذا الكتاب في الرجل يزرع في أرض بينه وبين شريكه أن عليه كراء نصف الأرض لشريكه بعد يمينه إن كان حاضرا خلاف روايته عن ابن القاسم في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق في الرجل يبني في أرض بينه وبين شريكه وهو حاضر أنه لا كراء عليه لشريكه في نصيبه، وذلك منصوص لابن القاسم في كتاب ابن المواز في مسألتنا بعينها، قال في شريكين خرجا إلى الريف فابتاعا طعاما فقدم أحدهما الفسطاط فأخذ قراضا فربح فيه، قال: ربحه له، وعليه للذي بالريف أجرة مثله فيما ولي بالريف في حصته يريد بعد يمينه كما قال أصبغ، وكما قال عيسى بن دينار في الكراء.
وقول ابن القاسم: إن ربح مال القراض الذي عمل به لا يكون بين الشريكين إذا قال: إنما عملت به لنفسي وكذلك الأجرة.
وأما لو قال: إنما عملت بذلك على أن يكون الربح أو الأجرة بيني وبين شريكي عوضا عن عمل شريكي في مال الشركة لوجب أن يكون الشريك مخيرا بين أن يأخذ ذلك عوضا عن عمله وبين أن يسلمه له ويتبعه بأجرة عمله في حصته.
ولو قال: إنما عملت بذلك على أن يكون الربح والأجرة بيني وبينه على سبيل التفضل عليه لكان ذلك منه عدة تجري على الاختلاف في وجوب الحكم بالعدة إذا كانت على غير سبب، فقيل: إنها لا تلزم وهو المشهور، وقيل: إنها تلزم، وهو ظاهر قول غير ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة لأنه جعل ذلك من وجه قول الرجل للرجل لك ما أربح في هذه السلعة، فله أن يقوم عليه بذلك ما لم يفت أو يذهب أو يفلس.
وقول أشهب في هذه الرواية: أرأيت لو تسلف مالا فعمل به فربح لكان ربحه بينهما ليس بحجة على ابن القاسم، إذ لا يسلم ذلك ولا يقول به، والذي يأتي على مذهبه في المدونة أن الربح له، وضمان السلف عليه، إلا أن يعلم بذلك الشريك ويعمل معه فيكون الربح بينهما، ويكون نصف المال سلفا للشريك الذي استسلفه على شريكه، ولو عمل وحده بالمال الذي استسلفه على أن يكون الربح بينهما ويكون نصف المال له سلفا عليه لما لزمه ذلك إلا أن يشاء إذ لا يلزم أحدا قبول معروف أحد، ولو عمل بالمال الذي استسلفه وحده على أن يكون الربح بينهما على سبيل التفضل لجرى ذلك على الاختلاف في لزوم العدة على غير سبب وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة وقف على رجل يشتري سلعة فوقف لا يتكلم حتى لما وجب البيع قال أنا شريكك:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل وقف على رجل يشتري سلعة فوقف لا يتكلم حتى لما وجب البيع قال الرجل: أنا شريكك، فقال المشتري: لا أشركك وإنما قال له ذلك بعد وجوب البيع قال: يشركه إن شاء، وإن أبى ألقي في الحبس حتى يفعل إذا كان إنما اشتراه ليبيعه إلا أن يكون اشتراه لمنزله أو ليخرج به إلى بلد آخر فلا يكون له في هذا شركة.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول نوازل أصبغ من جامع البيوع فلا معنى لإعادته والقول فيه باختصار أن الشركة على مذهب مالك لازمة لأهل الأسواق فيما اشتروا للتجارة على غير المزايدة لما كان من الطعام في سوق الطعام لأهل التجارة في ذلك النوع باتفاق، ولما كان من غير الطعام وإن كان في سوق تلك السلعة أو في غير السوق وإن كان من الطعام أو لغير أهل التجارة في ذلك النوع باختلاف، وقولي في غير السوق أعني في بعض الأزقة، وأما ما ابتاعه الرجل في داره أو حانوته فلا شرك لأحد معه ممن حضر الشراء باتفاق.
فيتحصل في الطعام أربعة أقوال أيضا أحدها أن الشركة تجب لمن حضر البيع وإن لم يكن في السوق ولا كان من أهل التجارة بذلك النوع والثاني أنها لا تجب له إلا أن يكون ذلك بالسوق وأن يكون من التجارة بذلك النوع، والرابع الشركة تجب له وإن لم يكن من أهل التجارة بذلك النوع إذا كان ذلك في السوق، ومجموع المسألة خمسة أقوال، الأربعة التي ذكرناها والخامس الفرق بين الطعام وبين ما سواه من السلع ورأى مالك الحكم بالشركة في ذلك بين أهل الأسواق لنفي الضرر عنهم مخافة إفساد بعضهم على بعض بالزيادة عليه، ومما يشبه ذلك من منفعة العامة «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أن يبيع حاضر لبادي»، فمنه أخذه مالك والله أعلم، وهذا كله فيما اشترى للتجارة وأما ما اشترى لغير التجارة فالحكم بالشركة فيه باتفاق وبالله التوفيق.

.مسألة وقف لشراء سلعة فقال له أشركني فقال له نعم ثم قال أشركتك بالربع:

وسئل عن رجل وقف لشراء سلعة فقال له رجل: أشركني، فقال له: نعم ثم قال: إنما أشركتك بالربع أو بالثلث، قال: القول قوله مع يمينه إلا أن يكون أشركه ببينة، قيل له: فإن قال له: أشركتك ولم أرد ثلثا ولا نصفا ولا أقل ولا أكثر إلا أني قد أشركتك، فقال: يكون له النصف.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سن من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة قال لرجل اذهب فاشتر من فلان بقرة عنده وأشركني فيها وانقد عني:

وقال في رجل قال لرجل: اذهب فاشتر من فلان بقرة عنده وأشركني فيها وانقد عني، قال: لا بأس به.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إنه لا بأس بذلك لأنه أشركه ونقد عنه ففعل معه معروفين وقد مضى في رسم استأذن من سماع عيسى ما فيه بيان ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة عين بين نفر فكان لأحدهم السقي بالليل وللآخرالسقي بالنهار:

وعن عين بين نفر فكان لأحدهم السقي بالليل وللآخر السقي بالنهار فأجرى الماء في زرعه بالليل وترك زرع الذي له السقي بالليل قال: عليه قيمة ذلك الماء، ولا سقي له بالنهار؛ لأن سقي الليل ليس يشبه سقي النهار وسقي الليل أفضل إلا أن يكون له سقي بالليل فيعطيه سقية بالليل مكانها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى لا اختلاف فيها وهي ترد قول أصبغ في رسم البيوع العاشر من سماعه من كتاب السلم والآجال في سلف الماء أنه لا ينظر فيه إلى الأزمان ولا يعتبر بها فيه، فترد تلك إلى هذه ولا ترد هذه إلى تلك وقد مضى الكلام على قول أصبغ في موضعه مستوفى فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق. تم كتاب الشركة بحمد الله تعالى وحسن عونه والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما اللهم عونك.

.كتاب الشفعة:

.مسألة باع شقصا له في دار مشتركة فسلم بعض الشركاء وأبى بعضهم:

كتاب الشفعة من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا قال: من باع شقصا له في دار مشتركة فسلم بعض الشركاء وأبى بعضهم إلا أن يأخذ بشفعته إن ذلك له يأخذ جميع ما باع شريكه نصيبه ونصيب من سلم من شركائه.
قال محمد بن رشد: أما إذا سلم أحد الشفعاء بعد وجوبها له ولم يقل لك ولا له على وجه تركها وكراهة الأخذ بها فلا اختلاف ولا إشكال في أن لمن بقي من الشفعاء أن يأخذ حظه وحظ من سلم من شركائه.
وأما إن قال للمشتري: قد سلمت لك شفعتي أو قال لمن سأله ذلك: قد سلمت لك شفعتي فقد وقع لأصبغ في الواضحة أن تسليمه الشفعة له إن كان على وجه الهبة والعطية للمشتري فليس له أن يأخذ بالشفعة إلا حظه وحظ من يسلم للمشتري وللمشتري سهام المسلمين، فإذا صح على قول أصبغ هذا للمشتري بالهبة حظ المسلم ولم يكن لمن سواه من الشفعاء أخذه فكذلك البيع غلى هذا القياس ينزل المشتري منزلة الشفيع للبائع الشفعة فلا يكون لمن سواه من الشفعاء شفعة إلا أن يكونوا بمنزلته فيكون لهم منها بقدر حظوظهم وعلى هذا تأول ابن لبابة رواية ابن القاسم عن مالك في أنه لا يجوز أن يبيع الرجل شفعة قد وجبت له ولا يهبها فقال: معناه من غير المبتاع واستدل على تأويله برواية جلبها من كتاب الدعوى والصلح، قال: يجوز أن يبيع شفعته من المبتاع بعد وجوب صفقته قبل أن يستشفع ولا يجوز له بيع ذلك من غيره ومثل هذا حكي أيضا عن مالك من رواية أشهب عنه أنه قال: ولا يجوز له أن يبيعها من غير المبتاع قبل أن يأخذ شفعته، واختار هو من رأيه أن لا يبيع الشفعة ولا يهبها لا من المبتاع ولا من غيره وهو الصواب والروايات التي جلبها ليست بجلية لاحتمال أن يتأول على أنه إنما أراد بها أخذ العوض من المبتاع على تسليم الشفعة له بما يجوز له بعد وجوب الصفقة وسمي ذلك بيعا لما فيه من شبهة البيع، وقول أصبغ بعيد شاذ في النظر وحكى ابن لبابة أيضا أنه رأى ابن الحسار يعقد لنفسه وثيقة شراء نصيب رجل من مال وما وجب له من الاستشفاع في نصيب كان بيع من ذلك المال قبل ذلك، قال: فلما تمت الوثيقة قال لي: هذه من غرائب النتيجات التي لا يعرفها والله غيرنا، يريدني ونفسه.
فالذي يتحصل في هذا أنه لا يجوز للشفيع أن يهب ما وجب له من الاستشفاع لغير المبتاع ولا بيعه منه.
واختلف هل له أن يهب ذلك للمبتاع أو يبيعه منه أم لا على قولين، أحدهما أن ذلك جائز ويختص المشتري بما اشترى فلا يكون لغير البائع أو الواهب من الشفعاء عليه شفعة إلا أن يكون بمنزلته فيكون لهم منها بقدر حقوقهم والثاني أن ذلك لا يجوز وينفسخ البيع فيكون الشفيع على شفعته وينفسخ أيضا حكم الهبة فيمضي على حكم التسليم.
وأما بيع الشفيع نصيبه الذي يستشفع قبل أخذه بالشفعة فلا يجوز باتفاق وكذلك هبته لا تلزم باتفاق وأما تسليم الشفعة بمال بعد وجوبها له فجائز باتفاق وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

.مسألة باع نصف أرضه بأرض آخر:

ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان:
قال: وسئل مالك عن رجل باع نصف أرضه بأرض آخر أو زيادة دنانير أترى له شفعة؟ قال: نعم، ويكون عليه قيمة أرضه التي أخذها، قال: وقال ابن القاسم وقد كان يبلغنا من بعض إخواننا أنه كان من قول مالك وغيره من المدنيين أنه إذا علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد وجه البيع ولم يكن يرضى أن يخرج من داره ويقعد لا دار له، وكان بعض المدنيين يذكر ذلك ويذكر عن ربيعة أنه لا شفعة في ذلك فكلمنا مالكا وحاججناه بوجه السكنى وإنما أراد المناقلة ولم يكن ذلك منه على وجه البيع فلم يره شيئا وأنثره وكأنه قاله ورجع عنه، واتبع الحديث ورآه بيعا من البيوع، وقال: الشفعة فيه، قال: وكذلك لو أعطاها امرأة في صداقها وإنما تزوجها لهواه فيها فأرى الشفعة فيها ولم ير الذي ذكر عنه شيئا، قال ابن القاسم: وهو رأي وهو الشأن، قال مطرف وابن الماجشون: الذي قال مالك لا شفعة فيه إنما ذلك في المناقلة بين الشركاء في المسكنين أو الحائطين أو في الأرضين يناقل أحدهم بعض أشراكه يعطيه حظه في هذه الدار وهذه الأرض وهذا الحائط يحط صاحبه في الدار الأخرى أو الأرض الأخرى أو الأريط الآخر فيصير حظه من ذينك الشيئين المفترقين في شيء واحد منهما، فهذه المناقلة التي قال مالك لا شفعة فيها للشركاء لأنه لم يرد وجه البيع إنما أراد التوسع في حظه وجمعه لكي ينتفع به، وأما إذا ناقل بنصيبه من هذه المشتركة بدار أخرى أو أرض أخرى لا نصيب له فيها ولا حظ لكانت في ذلك الشفعة ولجرى مجرى البيع وليس مجرى المناقلة، وسواء عامل بذلك بعض شركائه أو أجنبيا ممن لا شرك له معه.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة سئل مالك عن رجل باع نصف أرضه بأرض أخرى معناه نصف نصيبه بأرض أخرى وهذه مسألة فيها اختلاف ولها تفصيل، وتحصيل القول أنه لم يختلف قول مالك في أن في الشقص المبيع الشفعة إذا بيع بعين أو بعرض، فأما إن باع الرجل شقصه من شريكه أو من أجنبي بأصل أو شقص من أصل له فيه شرك أو لا شرك له فيه فمذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أن في ذلك كله الشفعة، ووقع هنا ما ظاهره أن قول مالك اختلف في ذلك كله، وأنه كان يقول: إذا علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد وجه البيع إنه لا شفعة في ذلك، وأن بعض المدنيين كان يذكر ذلك وأنه قول ربيعة، فعلى هذا تكون المناقلة اختلف في وجوب الشفعة فيها في هذه الأربعة وجوه، وحكى العتبي عن مطرف وابن الماجشون أنهما قالا: إن المناقلة التي قال مالك: لا شفعة فيها إنما هي أن يبيع الرجل شقصه من شريكه بشقص من أصل له فيه شرك، فيكون كل واحد منهما إنما أراد التوسع في حظه مما صار إليه من حظ شريكه عوضا عما عاوضه به، فعلى هذا المناقلة إنما تكون في هذا الوجه الواحد من الأربعة الأوجه المذكورة وروى أبو زيد عن مطرف في الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما شقصه، من شريكه بشقص من أصل له مع شريك آخر أنه لا شفعة لهذا الشريك الآخر في هذا الشقص؛ لأنه لم يقصد به البيع وإنما أراد التوسع في حظه، وكذلك على قول مطرف هذا لو كانت دار بين ثلاثة نفر فباع أحدهم حظه من أحد شريكيه بأصل فلا شفعة للشريك الثالث الذي لم يرد البيع وإنما أراد التوسع في حظه، فعلى قول مطرف هذا تكون المناقلة المختلف في إيجاب الشفعة فيها في ثلاثة وجوه، وأصله أنك متى وجدت أحد المتعاوضين في الأصول قد أخذ من صاحبه شقصا فيما له فيه شقص فهي المناقلة التي لا شفعة فيها فعلى رواية مطرف وابن الماجشون أن المعاملة في الأصول لا تكون مناقلة وتسقط فيها الشفعة حتى يكون كل واحد منهما قد أخذ من صاحبه شقصا فيما له فيه شقص. وعلى ظاهر ما وقع في هذه المسألة من رواية ابن القاسم عن مالك أن المعاملة في الأصول كيف ما وقعت فهي مناقلة لا تجب فيها الشفعة على أحد القولين، ففي تعيين المناقلة المختلف في إيجاب الشفعة فيها ثلاثة أقوال على ما بيناه، وفي المدنية لابن كنانة أنه سئل عن ورثة بينهم أرض هم فيها أشراك فقال رجل من الورثة للورثة: أعطوني حقي في مكان واحد واجمعوا لي أرضي في ناحية واحدة فرضوا بذلك وفعلوا ثم إن الشركاء في الأرض أرادوا الأخذ بشفعتهم وقالوا: قد بعت قال: يحلف الذي جمعت له أرضه في مكان واحد بالله ما أردت بيعا وما أردت إلا أن يجمع لي أرضي في مكان واحد فإذا حلف احتبس أرضه ولم يكن لأولئك فيها شفعة، قال عيسى: قال ابن القاسم: لا شفعة فيه وقول ابن القاسم هو الصحيح وأما قول ابن كنانة فهو بعيد لأن ذلك ليس ببيع وإنما هي قسمة وليس لأحد المتقاسمين على صاحبه شفعة وبالله التوفيق.

.مسألة أخوين ورثا دارين فباع أحدهما أحد الدارين:

وسئل مالك عن أخوين ورثا دارين فباع أحدهما أحد الدارين فعلم أخوه الذي لم يبع فقال: أنا آخذ هذه الدار التي بعت بشفعتي وأقاسمك الأخرى، فقال له الذي باع: ليس لك ذلك ولكن أقاسمك الدارين فإن تقع الدار التي بعت لي نفذ بيعي وإلا تقع لي بطل بيعي وتكون لك قال مالك: ليس ذلك له وأرى أن يأخذها أخوه بشفعته فيها ويقاسمه الأخرى وليس له أن يأبى ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في آخر كتاب الشفعة من المدونة في الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما طائفة منها بعينها ولا اختلاف فيها عندي من أجل حق المشتري، بخلاف مسألة أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق في أرض بين الرجلين يبني أحدهما فيها بنيانا وشريكة غائب أنهما يقتسمان الأرض فإن كان بنيانه فيما صار له من الأرض كان له وكان عليه من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب صاحبه، وإن كان البنيان والغرس في نصيب غيره خير الذي صار له في نصيبه بين أن يعطيه قيمته منقوضا وبين أن يسلم إليه نقضه ينقله ويكون له أيضا من الكراء على الباقي بقدر ما انتفع به من مصابة صاحبه الغائب لأن ذلك إنما يكون إذا اختلفا في القسمة فدعا إليها أحدهما ودعا أحدهما إلى أن يحكم بينهما في الغرس والبناء قبل القسمة حسبما ذكرناه هناك فيدخل في تلك الخلاف من هذه ولا يدخل من هذه الخلاف في تلك من أجل حق المبتاع لأنه قد يقول: وجب لي حظ البائع من الدار فليس لكما أن تقتسما قبل مخافة أن تصير الدار لغير البائع فيبطل جميع شرائي فالواجب أن يأخذ الشريك نصف الدار بالاستحقاق ونصفها بالشفعة إلا أن يتفقا على القسمة قبل ويرضى بذلك المبتاع فيجوز وبالله التوفيق.

.مسألة باع شركا له في دار فأقام شريكة تسعة أشهر ثم طلب أن يأخذ بالشفعة:

ومن كتاب البز:
وسئل مالك عن رجل باع شركا له في دار فأقام شريكة تسعة أشهر ثم طلب أن يأخذ بالشفعة أترى ذلك به؟ قال: نعم ما تسعة أشهر عندي بكثير، وإني أرى أن يحلف بالله ما كانت إقامته تركا لشفعته ويأخذ شفعته في هذا إلا أن يأتي من ذلك ما يطول زمانه.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة. في التسعة الأشهر والسنة لأنه لم ير السنة فيها كثيرا ولو قام بعد الشهر أو الشهرين لم يكن عليه يمين على مما قال في رسم الشجرة بعد هذا إلا أن يكون قد كتب شهادته في عقد الشراء فيلزمه اليمين إن قام بقرب ذلك بعد العشرة الأيام ونحوها على ما قاله بعد هذا في رسم باع، ولو كتب شهادته في عقد الشراء ولم يقم إلا بعد شهرين لم يكن له شفعة.
فتحصيل هذه المسألة أنه إن لم يكتب شهادته وقام بالقرب مثل الشهر والشهرين كانت له الشفعة دون يمين، وإن لم يقم إلا بعد السبعة أو التسعة أو السنة على ما في المدونة كانت له الشفعة بعد يمينه أنه لم يترك القيام راضيا بإسقاط حقه، وإن طال الأمر أكثر من السنة لم تكن له شفعة، وأما إن كتب شهادته وقام بالقرب أو العشرة الأيام ونحوها كانت له الشفعة بعد يمينه، وإن لم يقم إلا بعد الشهرين لم يكن له شفعة وإذا قال: لم أعلم بالشفعة فالقول قوله مع يمينه، وإن كان حاضرا بالبلد وإن كان بعد أربع سنين، قاله ابن عبد الحكم.
وقد اختلف في الحد الذي تنقطع فيه شفعة الحاضر بمجرد السكوت بعد العلم بالبيع على أربعة أقوال أحدها أن حده السنة وهو قول أشهب وروايته عن مالك والثاني قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أن السنة قليل ولا ينقطع إلا فيما فرق السنة والثالث قول مطرف وابن الماجشون أنه على شفعته ما لم يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك أو يتركها طوعا منه ويشهد بذلك على نفسه أو يمضي من طول الزمان ما يدل على أنه كان تركا له والخمس سنين قليل إلا أن يحدث المشتري فيها بنيانا أو عرشا فتنقطع شفعته في أقل من ذلك، فكأنهما رأيا الحد في ذلك ما تكون فيه الحيازة، والرابع أنه على شفعته وإن طال ما لم يصرح بتركها روى ذلك عن مالك وهو مذهب الشافعي وأبو حنيفة يقول بضد ذلك أن الشفعة إنما هي الوقوف فإن لم يقم بشفعته ساعة علم بالبيع فلا شفعة له، وهو قول خامس في المسألة وبالله التوفيق.

.مسألة أربعة إخوة باع أحدهم نصيبه من دار لهم فسلم إخوته للمشتري ما اشترى:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس:
وسئل مالك عن أربعة إخوة باع أحدهم نصيبه من دار لهم فسلم إخوته للمشتري ما اشترى أتراه شفيعا معهم إذا باع أحد منهم؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال وهو مما لا أعلم فيه اختلافا؛ لأن المبتاع يحل محل بائعه، واختلف لو كان المبتاعون لسهم الواحد جماعة فباع أحدهم حظه فقال ابن القاسم: لا يكون أشراكه أحق بالشفعة من أشراك البائع منهم، وقال أشهب: أشراكه أحق بالشفعة من أشراك البائع لأنهم كأهل سهم واحد وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة الشفعة في الصدقة:

ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق:
وسئل مالك عن حائط بين رجلين تصدق أحدهما بنصيبه على قوم وعلى عقبهم ما عاشوا، ثم إن الشريك باع نصيبه فأراد أهل الصدقة أن يأخذوا حصة شريكهم بالشفعة، قال مالك: ليس لهم في مثل هذا شفعة، إنما هي صدقة فما أرى الشفعة تكون في الصدقة، قال: وسمعته يقول غير مرة: قال ابن القاسم وبلغني عن مالك أنه قال: إذا أراد صاحب المتصدق أن يأخذ بالشفعة لم يكن ذلك له إلا أن يلحقه بالحبس فيكون ذلك له.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن أهل الصدقة أرادوا أن يأخذوا بالشفعة لأنفسهم ملكا فلذلك لم ير لهم شفعة ولو أرادوا أن يأخذوا بالشفعة ليلحقوها بالحبس لكان ذلك لهم، وكذلك لو أراد المحبس أن يأخذ بالشفعة لنفسه لم يكن ذلك له ولو أراد أن يأخذ بها يلحقها بالحبس كان ذلك له، وعلى قياس هذا لو أراد رجل أجنبي أن يأخذ بالشفعة للحبس لكان ذلك له، وهذا على القول بأن من تصدق على رجل عقبه بعقار ما عاشوا فإنها لا ترجع للمحبس بحال أبدا وتكون ملكا لآخر العقب على ما روى أشهب عن مالك في كتاب الحبس أو يرجع بمرجع الأحباس على ما حكاه ابن عبدوس وهو قول مالك وبعض رجاله في المدونة وأما على القول بأنه يرجع إلى المحبس ملكا بعد انقراض المتصدق عليه وعقبه فللمحبس أن يأخذ بالشفعة لنفسه على ما حكى ابن حبيب عن مطرف من أن الحبس إذا كان له مرجع إلى المحبس فالشفعة له مال من ماله وبالله التوفيق.

.مسألة باع شقصا له في أرض وشفيعه حاضر وشهد فيها:

ومن كتاب باع غلاما:
وسئل مالك عن رجل باع شقصا له في أرض وشفيعه حاضر وشهد فيها، ثم إنه بدا له بعد عشرة أيام ونحوها أن يأخذها بالشفعة قال أرى ذلك له وأشد ما عليه أن يحلف بالله ما كان ذلك منه تركا لشفعته ثم يأخذ ماله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم البز قبل هذا فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة لهم ثمرة حائط صدقة أراد أحدهم أن يبيع أترى لهم شفعة:

ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات:
وسئل عن قوم لهم ثمرة حائط صدقة فأراد رجل ممن له أصل في ذلك الحائط أن يبيع أترى لهم شفعة؟ قال: لا شفعة لهم، وإنما الشفعة لمن كان له أصل مال، قال مالك: ولو كان المحبس حيا وأراد أن يأخذ بالشفعة ليلحق ذلك بحبسه كان ذلك له، وإن لم يكن يريد أن يلحقه بحبسه فلا شفعة له.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم كتب عليه ذكر حق فلا معنى لإعادته وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.